recent
اخر الاخبار

حوار في البعد الخامس بين عزرائيل ووزير أفريقي كان على فراش الموت

Home

  كتبها: أحمد الجَــــلالي

حدثنا غريب الزمان قهرماني عن السياسة والبشاشة فقال: هل أتاكم حديث ملك الموت عزرائيل مع وزير عندما اشتد مرضه؟ قلنا: لا قهرمان، فقال اسمعوا وعوا، فسمعنا ووعينا............هذه الحكاية.



اشتاق المواطن عبد اللطيف وهبي كثيرا إلى الجنوب وهزه الشوق إلى مسقط الرأس بإقليم تارودانت فخرج باكرا من الرباط وكان أن أدركه الظهر في مدخل أكادير فتناول ما تيسر من المشاوي وأكمل طريقه.

دخل تارودانت ليلا وصلى بجامعها الأكبر ثم التقى الأقارب وأمضى ليلة سعيدة ما عدا الشعور بوعتاء السفر، ولكنه نام ملء جفنيه.

بعد العصر من اليوم الموالي انتاب وهبي بعض العياء مقرونا بتعرق في سائر الجسد لكنه لم يبال كثيرا لذلك وحاول أن يمضي وقته في قضاء بعض الأغراض المؤجلة ومنها الحسم في اقتناء أضحية العيد من عند أحد الأقارب وتأمينها عنده إلى ما قبيل العيد الكبير بأيام، كما جرت العادة بينه وذلك الكساب السوسي الطيب.

ولكن فجأة لم يقدر عبد اللطيف على الوقوف واشتكى دوخة لا عهد له بها من ذي قبل. شرب بعض الماء واستلقى على ظهره قليلا لكن العياء ازداد مصحوبا بتشوش في الرؤية.

قرر الأهل نقله إلى أقرب مستوصف طبي فلم يجدوا به غير ممرضة بسيطة بدت لامبالية بحالته وناولته بعض الأسبرين وبعد إلحاح من مرافقيه راقبت ضغطه.

أعادوه إلى البيت وأمضى الليلة كلها يشكو من حمى انتابته هي الأخرى فما كان من أبناء العمومة إلا النهوض باكرا وأخذوه إلى المستشفى الإقليمي لكن زحاما رهيبا من المرضى من كل الآفاق كانوا قد سبقوهم إلى "الصف" مع مطلع الفجر، فتيقن وهبي أنه لن يدرك "النوبة" حتى في اليوم الموالي.

طلب وهبي من ابن عمه أن يأخذه بسرعة إلى الرباط. وصل إلى بيته فشعر ببعض الألم يخف وتدريجيا كان يستعيد قواه فسر لذلك وقرر ألا يسافر مستقبلا إلى الجنوب في فصل الصيف، وقال لنفسه " الإنسان لم يعد شابا قويا على كل حال".

مضت أيام وأيام ووهبي يمارس حياته بطريقة طبيعية، غير أنه ذات يوم ثلاثاء عصرا أيضا عاودته الدوخة فسقط وارتطم رأسه بمزهرية، وهي الحادثة التي أدت لاحقا إلى ألم شديد في الرأس بمحاذاة منطقة الأذن,

لم يتأخر وهبي هذه المرة كما صنع في تارودانت فطلب من الأهل أن يتصلوا بالإسعاف، "فهذه العاصمة وليست بادية الجنوب"، همس لنفسه.

تأخر الإسعاف أكثر مما يطيق مريض في حال حرجة وكان الحل أن اتصلوا بأحد المعارف "عبد الله مول الضاصيا" والذي لحسن الحظ كان بإحدى المقاهي في حي المحيط.

لم يتأخر عبد الله وخطف وهبي بسرعة إلى "السويسي"، قسم المستعجلات حيث كان "المغرب كله" هناك ينتظر فحصا أو سد نزيف بعد حادثة أو تضميد جرح إثر عراك دام وما إلى ذلك من الحالات الحرجة المحزنة.

طال انتظار المواطن وهبي ومع كل دقيقة كانت حالته تسوء..وبعد ساعات ثقيلة جاء دوره فسأله ممرض عبوس إن كان مسجلا في "راميد" فأجابه بالإيجاب ولما ناوله مرافقه ورقة أجاب الممرض أن على "المريض" أن يقوم أولا بإجراءات الانتقال نحو "آمو".

تركه الممرض ومضى غير مبال لحالته ثم غاب وسط جماهير المرضى اليائسين بأعين تبحث عمن يشفق عليها أو يمد لها أبسط مساعدة.

"طار مول الداصيا" بسرعة رفقة ابن وهبي وراجعوا أقرب مقاطعة فقيل لهم إن هذا الموضوع هو اختصاص "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي"، فراحوا على وجه السرعة إلى الصندوق فأخبرتهم موظفة الاستقبال، بعد الاطلاع على البطاقة الوطنية للمعني، أنها لا تتوفر على جواب بعد والأمر في النهاية ليس بيدها ولكنها تنتظر جواب/قرار وزارة الداخلية من خلال "السيستم".

 لما أخبروا وهبي بالتفاصيل أسود وجهه وغاص في دواخله وسأل نفسه بلا صوت: أية حكومة هذه التي لا تعنيها صحة مواطن ملقى به في مكان نتن يصارع الموت؟ ثم دعا في نفسه على جميع أعضاء الحكومة أن يصيبهم ما أصابه وأكثر فيرمى بهم هنا فريسة للانتظار والألم والبيروقراطية وكل صنوف الجحود والعبث الإداري...وأن يسلط عليهم لعنة قلة ذات اليد.

ولأن "مول الضاصية فايق" فقد استفسر وهو في طريق عودته للسويسي مصحات خاصة عن أسعار الفحصوات، ولما أخبر بها مريضنا أصابه شعور امتزج فيه اليأس والخوف بالقرف والسخط.

غير أنه بعد تدخلات مشكورة من أحد قدامى الممرضين يعرفهم عبد الله قابل وهبي الطبيب فسلمه بسرعة ورقة تستعجله في إجراء نوعين من السكانير ووجهه إلى مكتب آخذ المواعيد.

وهنا كان على المواطن وهبي أن ينتظر نصف اليوم المتبقي لكي يخبروه أن موعده سيكون بعد تسعة أشهر في اليوم السابع من الشهر الفلاني.

هنا اهتز وهبي ثم انتفض في فراشه وبحركة لا إرادية رمى بالوسادة إلى أن ارتطمت بمزهرية فسقطت وانكسرت وصحا على صوتها..ففتح عينيه وحمد الله أن أخرجه من هذا الكابوس وأدرك أنه كان يحلم فقط وأنه ما كان عليه أن ينام بعد العصر أبدا.

ولكن وهبي بعد هذا الكابوس/ الدرس، وبعد أن وجد نفسه في أرقى مستشفى محاطا بالأهل و الأصدقاء وخيرة الأطباء وأرقى الخدمات الطبية..شكر الخالق عز وجل أن كتب عليه الوزارة ونعيمها وإمكاناتها الهائلة، وشكر اللطيف الخبير على فضله بأن ألهمه دخول السياسة المغربية الجلابة لكل ما يدفع عن الإنسان عوادي الزمن ونائبات الدهر.

ثم تذكر وهبي أنه في النهاية ابن سوس العالمة حيث المدارس العتيقة وذكر الله تعالى والصدقات، فقرر وعاهد ربه على أن يسخر بقية حياته لخدمة الضعفاء والمساكين وأن يفني ما تبقى من عمره ليكون فعلا وقولا وزيرا للعدل فيجعل القضاء وكل الإدارات يعدلون بين المواطنين، وأن يكون وزير حريات فيحرر المغاربة من الخوف من التعبير السلمي عن رأيهم ثم عزم في اليوم الموالي ألا يبقي هذه الأحاسيس حبيسة صدره وضرب لنفسه موعدا في المجلس الحكومي التالي وقرر بلا رجعة ولا هوادة أن يمضي قدما في الخطوات التاريخية التالية:

ــ أن يواجه رئيس الحكومة وباقي الوزراء وفي مقدمهم وزير الصحة بحقيقة الأوضاع وأن يهدد بتقديم استقالته وانسحاب حزبه من التحالف الحكومي إن لم يشرعوا في معالجة هذا الواقع المخزي هنا والآن،

ـ أن يغتنم أقرب حضور له بالبرلمان ليجيب كل النواب بالحقيقة ويحكي للمغاربة على المباشر قصته مع أزمته الصحية "كما رآها في الحلم على الأقل" وأن يفضح المسكوت عنه ويثور على هذا التخلف الظالم،

ــ أن يجمع المكتب السياسي للأصالة والمعاصرة عاجلا ويدعو الآباء المؤسسين للبام لإعادة صياغة الورقة المذهبية للحزب وجعله عمليا حزبا لخدمة المغاربة، ولسبب استغرب له وهبي نفسه فق استحضر وجوها شابة بعينها منها امحمد لقماني وخالد أدنون...وآخرين وأخريات...غابوا تماما عن المشهد الحزبي.

ــ أن يمنح نصف ثروته لإنشاء مؤسسة خيرية في الجنوب سماها " مولانا جود علينا" تكون رهن إشارة كل من يمر بوضع صحي أو اجتماعي قاهر.

 شافئ الله المواطن وهبي وكل مرضى العالم، وغفر له ولنا كل هذه الأحلام المتطرفة و"العياذ بالله" والتي جعلتنا نساوي ــ في الحلم ــ بين علية القوم من اصحاب السعادة وأسافل الشعب مثلنا من فصيلة الغاشي أو "اشعيبة" ممن صار الماء والخبز أعتى أحلامهم... والعتور على أي عمل حقير.. أقصى أمانيهم.

عذنا بالله من شر افكارنا وسيئات اعمالنا وغرابة أحلامنا.

للاطلاع على المصدر الأصلي للمقالة:   https://achawari.com/news3750.html



google-playkhamsatmostaqltradent