أحمد الجَلالي
لقبوه منذ أن صار طفلا بـ "أبو الليل"
لأن العياشي كان يؤجل كل أنشطته وشغبه إلى الليل، بينما يبدو طيلة النهار مشغولا
بأشياء غامضة لم يعرف سرها أحد.
عندما صار مراهقا
توزعت هوايات العياشي بين ركوب الحمير ورقصة الهيت التي كان يتقنها بشكل خارق حتى
اشتهر بلقب "بو الليل الهيات.
في بداية شبابه
احترف بو الليل "الهيت" وصار يروي به شغفه بهذا الفن ويكسب منه في
الحفلات وأعراش البادية. في كل أسبوع تقريبا كان ينشط حفلة بهذه القرية أو تلك.
يخرج من بيت أسرته
مساء ولا يعود إلا ظهر اليوم الموالي لا يريد أكلا أو كلام. يرمي بجسده في أي مكان
وينام عميقا مع شخير يسمع على بعد عدة أمتار.
ذات ليلة شتوية كان
على العياشي أن يذهب إلى قرية بعيدة يفصل بينها وحيث يسكن كلومترات يتخللها نهر
بهت. تأبط دفه وبعض الأغراض ومضى تحت جنح الظلام قاصدا "دوار لاحونا".
لم يكن أبو الليل
يخشى من الليل أي شيء فهو صديقه الذي علمه كيف يرى في الظلام كأي قط عتيد. ابتعد
عن بلدته حوالي عشرة أميال فتراءى له ضوء لهيب نار فقرر أن يلتحق بالساهرين من أجل
التدفئة وأمنية بتدخين الكيف معهم.
حين اقترب من جماعة
الليل تلك نادوه باسمه ولقبه فتشجع أكثر وقال في نفسه: صرت مشهورا يا بو الليل
يعرفونك حتى في الظلام.
اندهش العياشي حين
اكتشف أن مع الجماعة الذين لم يسبق له أن التقى أحدهم امرأة بملامح غريبة عنه. شعر
بدوار خفيف يجتاح رأسه وارتخاء في الجسم حتى ظن أنه يحلم.
إلى أين انت ذاهب يا
بو الليل؟
ــ إلى دوار
لاحونا..هناك عرس.
ــ ممتاز ستسهرون
إذا، بصحتكم ولكن من حقنا عليك أن ترقص لنا قبلهم.
تفرس العياشي جيدا
في ملامح محاوريه فتيقن أنهم جماعة من الجن. لم يكن أمامه سوى الامتثال لهم فأخرج
بنديره وراح يرقص لهم ويرتعد ذعرا.
في ظهيرة اليوم
التالي استيقظ العياشي وهو يشعر أن كل عظم في جسمه وكأنه تعرض لضرب مبرح. كان
متعبا جدا ومرعوبا.
لاحظت أمه حالته
فسألته إن كان مريضا فقص عليها ما حصل معه ليلة البارحة.
طلبت منه الوالدة أن
يغسل وجهه بالماء البارد سبع مرات ثم كررت عليه السؤال: هل فعلا حصل معك ما قلت لي؟
أجاب العياشي: وحق
الله يا الوالدة...ثم صمت وأضاف: ربما كان حلما فقط..لا لا، كان حقيقيا فقد جعلوني
أرقص وأغني.
ماذا غينت لهم يا
ولدي؟
ــ غنيت لهم: يعطي
لبو الليل الويل..هو الذي جاءكم في الليل.