recent
اخر الاخبار

قصة "روح أمه"...عدنان الجبان

Home
size
إعلان بداية المقال

أحمد الجلالي


رزق الأستاذ إبراهيم وزوجته المعلمة رحمة بابنهم البكر وقررا، لسبب ظلا يجهلانه دائما، أن يسمياه عدنان.

كبر عدنان في الظل تحت كنف والديه الموظفين بدخل شهري كاف ليكونا من الطبقة البورجوازية الصغيرة.

ترعرع الطفل عدنان كيرقة فراشة في بحبوحة قطن. لم ير حرا ولا زمهريرا: من القسم الى السكن الوظيفي داخل المؤسسة نفسها حيث يشتغل أبوه وأمه.

لم يكن لهم جيران كثر ولا علاقات اجتماعية مفتوحة ولا ما يكفي من الأطفال ففات عدنان ان يلعب مع أبناء الحار ويقاسمهم الشغب، وحتى مفردات لغته ظلت في حدود ما سمع من والديه.

كان عدنان يشعر انه ينتمي لتلك المدينة التي رأى فيها النور ولا ينتمي إلى أهلها، ببساطة لأنه حتى وهو مراهق لم يكن يخالطهم.

من الفصل إلى البيت ومن العشاء إلى المطالعة ومنها إلى النوم فالاستيقاظ لأجل الفطور ثم الفصل وعودة للمنزل وقت الغذاء.

حياة عدنان محسوبة ومستقبله مخطط له جيدا. ومن حرص والديه على ذلك فقد علماه الفرنسية قبل العربية وصنعا منه نموذجا للتلميذ المجتهد ابن المدرسين.

عدنان لم يصنع شيئا لنفسه ولكن كل شيء صنع له وفق مخطط معد سلفا.

أكمل عدنان الإعدادي ثم المرحلة الثانوية ولم يسجل عليه يوما غياب او تأخر عن حصة دراسية. كلما عاد نهاية يوم كان يمد أمه بالتقرير اليومي مذ خرج حتى ساعة العودة.

بدا لزملاء الفصل دوما بمسحة من حزن وارتباك تعلو وجهه رغم أثر النعمة عليه في اللباس والنظافة والمحفظة الجلدية.

لم تكن له صديقة لأن أمه حذرته مبكرا من البنات ولم تكن له أصلا بنت جيران كي يقترب منها.

اعبر في قرارة نفسه أن البنات خطر واقنع نفسه ان والدته هي من تعرف الحقيقة والسبب.

حصل على الثانوية العامة فاحتفلوا به ثم في غضون أسابيع كانت الفيزا الدراسية في الخارج جاهزة وتكفل عمه بكل شيء فوجد نفسه في أوروبا.

مضت سنوات الجامعة سراعا ولم يتعب الشاب كي يجد عملا بدخل مريح وزوجة على مقاس لأمه بتنسيق مع عمه.

بلغ عدنان الأربعين وسأل نفسه يوما: من أنا؟

ولأول مرة خرج دون استئذان زوجته لكنها تبعته إلى أن توقف في ميناء أمستردام وولى وجهه شطر السفن.

ولأنه أشرب في قلبه الفرنسية منذ طفولته الأولى فقد غنى لنفسه بصوت مسموع للمرة الأولى مطلع أغنية لجاك بريل تقول:

Dans le port d'Amsterdam

Y'a des marins qui chantent

Les rêves qui les hantent

Au large d'Amsterdam

Dans le port d'Amsterdam

Y'a des marins qui dorment

Comme des oriflammes

Le long des berges mornes

Dans le port d'Amsterdam

Y'a des marins qui meurent

Pleins de bière et de drames

وحين وصل إلى مقطع:   

Et quand ils ont bien bu

Ils se plantent le nez au ciel

Se mouchent dans les étoiles

Ils pissent comme je pleure

Sur les femmes infidèles

 

إعلان منتصف المقال

 احمر وجهه وسكت.

عاد مساء للبيت فأخبرتك زوجته انها تبعته وشاهدته عن بعد والحت عليه ليخبرها بماذا كان يحدث نفسه فقال لها إنه كان يترنم بأغنية  " الخجلانين" لجاك بريل واسترسل:

Les timides

Ça se tortille

Ça s’entortille

Ça sautille

Ça se met en vrille

Ça se recroqueville

Ça rêve d’être un lapin

Peu importe

D’où ils sortent

Mes feuilles mortes

Quand le vent les porte

Devant nos portes

On dirait qu’ils portent

Une valise dans chaque main

ثم اختنق صوته وسكت فجأة قبل ان ينخرط في بكاء شديد أرعب زوجته.

حاولت أن تعرف منه السبب وهي محتارة كيف تخفف عنه وخمنت أنه يعاني مشكلة في العمل أخفاها عنها لوقت طويل غير أ عدنان صرخ في وجهها للمرة الأولى: أنا خجول أنا جبان..أنا لم أعش أصلا.

غادر البيت مسرعا.. ومن يوما لم يعد.

 

إعلان نهاية المقال
google-playkhamsatmostaqltradent