recent
اخر الاخبار

حكاية المختارالشبقي وابنه عامر..."ناكح الفراغ"

Home

قصة ناكح الفراغ
يشبه ابن المختار كثيرا

كتبها: أحمد الجَــلالي

بعد عصر يوم الثلاثاء ذاك عاد المعطي، الملقب بوجغادر، منهكا من السوق الأسبوعية لا ينشد غير وجبة غذاء ونوم مبكر استعدادا لسوق الأربعاء في اليوم الموالي فجرا.

لكن حدوم كان لها رأي آخر حيث سبقت وصوله للبيت بدقائق بوضع ابنه الأول.

طرق الباب بعنف كما يصنع دائما ودهش لما وجد جل الجارات عنده مستبشرات، غير انه سرعان ما امتص اندهاشه بتجاعيد وجهه الأسمر الميال كثيرا الى السواد فأصبحت ملامحه محايدة لكل ناظر فيها.

سارع المعطي بمغادرة البيت نحوم أقرب مقهى قبالة ذلك الحي الصفيحي التعيس وقبل ان يقعد أشعل لفافة تبغ رخيص مصها بعمق.

ولان حتى التافه من الاخبار تسري بسرعة في احياء الفقراء فقد بادره صويلح صاحب ما يشبه المقهى بتهنئة مقتضبة بل فقيرة: مبروك العزري.

أدرك المعطي لحظتها انه اصبح ابا لطفل بينما كان يتوجس من ان يرزق بطفلة ثالثة. انفرجت بعض اساريره وبدا شبه مبتسم وطلب قهوة سوداء ثم اشترى سيجارة شقراء واشعلها احتفاء بالوليد الجديد الذي قرر مع اول زفرة "ماركيز" ان يسميه المختار.

بمجرد ان بلغ هذا المختار عامه الثالث أصبح مندمجا تماما مع بيئته: لشدة ما كان يعشق الاوحال صار جزءا من مشهد ذلك الزقاق النتن حيث الفئران والحشرات والقاذورات كلها من قاطني الحي الأصليين.

كان الحي ينام على حافة النهر حيث مطارح النفايات التاريخية، وبقايا الجيف والرمم عطر طبيعي يشمه السكان يوميا.

اما الابقار والماعز والاغنام فلم يكن أحد يعرف لمن البيضاء من السوداء الا حين تطردها فلا تدري من اين خرج لك صاحبها. أما الكلاب والقطط فقد كانت لها صولات وجولات وغزوات، ولشدة ما تناسلت قطعانها كان النسل مزيجا من الألوان والأصناف بحيث يحتار حتى خبراء هذه الفصيلة من الحيوانات أن يحددها.

كبر المختار بسرعة ومع اقترابه من سن الخامسة كان يأتي بأفعال أكبر بكثير من سنه، وعلى رأس تلك الأفعال أشكال من الوقاحة وفي مقدمها تحرشه بالفتيات بحيث يتركهن مشدوهات مما يصدر عن هذا الطفل وكأنه مراهق حقيقي.

وعندما قرر أبوه أن يختنه مساء يوم شتوي بارد لم يهرب ولم يخف بل ذهب رأسا عند "الحجام" وبعد انتهاء العملية في ثوان بكى قليلا ولما أخرجت ابنة عمه عينيها صوبه نكاية فيه وهو في قمة ألم الختان ــ وقد سبق له أن تحرش بها بشدة ــ رد عليها بأصبعه وضيق من عينيه الدامعتين.

  رفقاء المختار من أبناء الحي كانوا رحيقا حقيقيا لسوء التربية والتوحش البشري الكريه فأخذ منهم أسوأ ما فيهم ومنحهم أبشع ما فيه، وقد نقل هذه الحمولة معه إلى المدرسة الابتدائية حيث أبان عن مكر شديد، مع غير قليل من رغبة في التعلم والمنافسة.

وبهذه الروح الابليسية انتقل المختار إلى السلك الإعدادي حيث آذى التلميذات خصوصا وأبان عن عدوانية غريبة تجاه الفتيات، وزاد جموحه أكثر في المرحلة الثانوية حيث كانت أغلبية التلميذان تتفادين شره لكن حشريته وبذاءته كانتا أكبر من طاقة صبرهن.

وقد كان المختار يضع نفسه ومن معه في مواقف صعبة تتوفر فيها كل شروط أن يتعرض لعنف مضاد أو انتقام من كثيرين، غير أنه كان محظوظا كفاية كي تظل ملامحه سليمة.

بعد تخطيه السنة الأولى ثانوي انتقل للدراسة بالقسم الداخلي في مدينة أخرى، وظلت قصصه تاريخا مسجلا تردده الأفواج التي جاءت من بعده. كان ابن فقراء حقيقيين وعانى الجوع وقلة ذات اليد والحرمان الأسود وكان يقابل كل هذا الطوفان من الحاجة والكبت بالتشاطر وكل صنوف الاحتيال. ولكي يخلق لنفسه عالما موازيا كان يسرف في الكذب والتنكيت والمبالغة.كان يتمتع بذكاء سلبي خارق للعادة.

وفي السنة الأخيرة له بتلك الثانوية صادف يوما أن ابتسمت له تلميذة من أبناء وسط يعتبر برجوازيا مقارنة بوضعه، أصيب المختار بنوبة من إحساس قال لنفسه إنه العشق.

صار يطارد تلك الفتاة يوميا بشتى الوسائل بل اغتنم فرصة عيد ميلاد فأقحم نفسه في شلة أصدقائها واحتفل معهم داخل بيت والدي الفتاة. ولما شاهد السكن الراقي والسيارات والأكل والنظافة قرر أن نعيمة ستكون له. قرر دون أن يفاتحها في أمر ولا عاد إليها في قرار.

نال البكالوريا وذهب للجامعة غير أن عقله بقي في مدينة نعيمة وصرف كثيرا من دراهم المنحة الجامعية في الاتصال بها على هاتف بيت أسرتها.

وفي لحظة ستقلب حياته إلى الأبد أجابته أمها أنها سافرت قبل أسابيع لاستكمال دراستها بالخارج.

فقد المختار ما تبقى لديه من عقل ولم يعد يرى شيئا إلى درجة أن حافلة كادت تشطره نصفين في مساء حزين جدا لم يعش مثلة من قبل ولا من بعد.

لم تعد الدراسة ولا الدنيا كلها تعني للمختار شيئا، ولم تجد فيه نصائح الأصدقاء المقربين....وفي هذا الطريق العاطفي الموحش عاودته العدوانية المتأصلة فيه تجاه الإناث وصار ينتقم من نعيمة في كل ضحية قادها حظها العاثر إليه.

لا يُعرف تحديدا عدد ضحاياه ولا كيف صنع بهن غير أن ما اعترف به لكثيرين، في روايات متقاطعة، تفيد أن مارس كل أنواع الخبث والتطرف الجنسي. غير أنه لم يشبع من الأنثى ولا هو استطاع نسيان نعيمية.

المختار كائن انفعالي متسرع، ولذلك عندما بدأ يفكر في الزواج "بحكم السن فقط" كان شرطا الجمال والمال يلخبطان عقله فيقفز من هذه إلى تلك ولا يحسم في كل فرصة، فضلا عن أن شبقيته غالبا ما كنت تأخذ مكان شرطيه الوحيدين فتتداخل الأمور بين شهوته وعقله فتغلب الشهوة العقل فتفسد سلعة مشاريع زواجه كلها.

ولكن المختار في النهاية "تزوج" شابة لا هي جميلة حقا ولا هي صابة مال..المهم فرضت عليه شبقيته حين تورط أن يتزوج...فتزوج وتناسل بسرعة.

كان نسل المختار طفلا عجيبا بلون بشرة يميل للصفرة وطبع مشاكس كان يترك أباه محتارا. كان سعيدا أن ابنه لا تنقصه وقاحة غير أن خيبته لم تكن لتخفى، إذ كان يود لو كان ابنه بمثل سمرة جلده هو.

كبر ابن المختار بشكل كاريكاتوري حيث لم يكن تمة تناسق بين حجم رأسه ووركيه، وبدا البون شاسعا بين تقوسات ضلوعه ومسافة منكبيه. ولكن المختار كان يزداد به فرحا وفخرا كلما رآه يقدم على بذاءة.

سنحت لي الفرصة مرة أن كنت بإحدى المقاهي فرأيت ابن المختار يتبع أمه المهمومة. كان متخلفا وراءها ببضع خطوات. وبين لحظة وأخرى كان يتوقف ويقوم بحركات غريبة على سنه وحجمه. فعلها مرارا.

فكرت فيما يمكن أن يجعل طفلا في الرابعة تقريبا يتوقف خلف أمه في طريق لم يكن به مارة فيصنع ما يصنع وكأنها يرى أشباحا لوحده.

ابن المختار الشبقي ذي السيرة غير العطرة قبل أن يتزوج أمه وبعد ذلك...ابنه الذي سماه عامر............كان ينكح الفراغ. نعم رايته ينكح الفراغ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

google-playkhamsatmostaqltradent